فصل: السادس والثمانون واستعمل ما هو فرع فمن ذلك الصاد في الصراط

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: إعراب القرآن **


 الرابع والثمانون نوع آخر إضمار قبل الذكر

قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابةٍ ‏"‏‏.‏

يريد‏:‏ على الأرض‏.‏

وقال‏:‏ ‏"‏ فأثرن به نقعاً ‏"‏‏.‏

يعني‏:‏ الوادي‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ والنهار إذا جلاها ‏"‏‏.‏

يعني‏:‏ الدنيا والأرض‏.‏

ومثل ما تقدم‏:‏ ‏"‏ ولو جعلناه ملكاً لجعلناه رجلاً وللبسنا عليهم ما يلبسون ‏"‏‏.‏

جويبر عن الضحاك عن ابن عباس‏:‏ ‏"‏ وللبسنا ‏"‏ على الملائكة من الثياب ما يلبسه الناس من وقال غيره‏:‏ لشبهنا عليهم ما يشبهون على ضعفائهم و اللبس في كلامهم الشك‏.‏

الكلبي‏:‏ ولخلطنا عليهم ما يخلطون‏.‏

وقيل‏:‏ لبسنا عليهم أي‏:‏ على قادتهم ما يلبسون كما يلبس القادة على سفلتهم‏.‏

وذلك أنهم أمروا سفلتهم بالكفر بالله والشرك له فالله عز اسمه يقضى على قادتهم حتى يكونوا على الكفر‏.‏

ومن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ إنها كلمةٌ هو قائلها ‏"‏ قيل‏:‏ الكلمة‏:‏ قوله‏:‏ ‏"‏ فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعةً ‏"‏‏.‏

الآية‏.‏

أي‏:‏ الله قائل هذه الكلمات فلا يدخلها خلف‏.‏

عن ابن زيد‏:‏ أن القائل المشرك والضمير لكلمة المشرك وهي قوله‏:‏ ‏"‏ قال رب ارجعون ‏"‏‏.‏

أي‏:‏ لا يكون ذلك أبدا‏.‏

ومن ذلك قوله‏:‏ ‏"‏ سامراً تهجرون ‏"‏ أي‏:‏ مستكبرين بحرم الله ويقولون‏:‏ إن البيت لنا لا يظفر علينا أحد وقيل‏:‏ مستكبرين بالكتاب لا يؤمنون به وقد تقدم في قوله‏:‏ ‏"‏ ولدينا كتابٌ ينطق بالحق ‏"‏‏.‏

ومن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ وصدها ما كانت تعبد ‏"‏ الضمير في ‏"‏ صدها ‏"‏ قيل‏:‏ لله تعالى أي صد الله بلقيس عن عبادة غيره‏.‏

وقيل ما هي الفاعلة وقد تقدم في الجار والمجرور‏.‏

ومن ذلك قوله‏:‏ ‏"‏ تماماً على الذي أحسن ‏"‏ ففي فاعل ‏"‏ أحسن ‏"‏ قولان‏:‏ أحدهما موسى أي‏:‏ تماما على إحسان موسى بطاعته‏.‏

عن الربيع والفراء كأنه‏:‏ لتكمل إحسانه الذي يستحق به كمال ثوابه في الآخرة‏.‏

فيكون مذهب الذي مذهب المصدر كقول يونس في قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ وخضتم كالذي خاضوا ‏"‏‏.‏

والثاني‏:‏ أن يكون الفاعل ذكر الله أي‏:‏ تماما على إحسان الله إلى أنبيائه‏.‏

عن ابن زيد‏.‏

وقيل‏:‏ تماما على إحسان الله إلى موسى بالنبوة وغيرها من الكرامة‏.‏

عن أبي علي‏.‏

ومن ذلك قوله‏:‏ ‏"‏ إذ يغشيكم النعاس أمنةً منه ‏"‏ قيل‏:‏ من العدو وقيل‏:‏ من الله‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ ويثبت به الأقدام ‏"‏‏.‏

أي‏:‏ بالماء وقيل‏:‏ بالربط على القلوب كنى عن المصدر وقيل‏:‏ بالرسل‏.‏

ومن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ لا تحرك به لسانك لتعجل به ‏"‏‏.‏

قيل‏:‏ هذا كقوله‏:‏ ‏"‏ ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه ‏"‏‏.‏

كان يسرع القراءة مخافة النسيان‏.‏

وقيل‏:‏ كان يحب الوحي فيحرص على التلقن قبل أن يتم الكلام‏.‏

وقيل‏:‏ إنما أراد قراءة العبد لكتابه يوم القيامة لأن ما تقدم هذه الآية وما تأخر عنها يدل على ذلك ولا يدل على شيء من أمر القرآن ولا على شيء كان في الدنيا‏.‏

وكأن هذا القول في معنى قراءة العبد كتابه ضرب من التقريع والتوبيخ والإعلام بأنه صار إلى حيث لا تنفعه العجلة وإلى موضع التثبت في الأمور وإقامة جزاء الحسنة والسيئة وهذا حسن‏.‏

البلخي‏:‏ إن العبد يسرع إلى الإقرار بذنوبه وتكلف معاذيره ظنا بأن ذلك ربما ينفعه فيقال له‏:‏ لا تعجل فإن علينا أن نجمع أفعالك في صحيفتك وقد فعلناه وعلينا أن نقرأ كتابك فإذا قرأناه فاتبع قرآنه أي فاتبع قراءته هل غادر شيئا واحتوى على زيادة لم تعملها فإذا فعلت ذلك وجاوب كتابنا أفعالك فاعلم بعد ذلك أن علينا بيانه أي إظهار الجزاء عليه‏.‏

والأول أيضا حسن لأن الإشارة إلى الشيء في تفريقه كمتقدم ذكره فيحسن معها الإضمار وكان يقرأ عليه القرآن وأشير إليه فقيل‏:‏ ‏"‏ لا تحرك به ‏"‏ أي‏:‏ بهذا الذي نقرؤه عليك‏.‏

وهذا المعنى أيضا حسن‏.‏

فعلى هذا‏:‏ إن علينا جمعه في قلبك لتقرأه بلسانك‏.‏

عن ابن عباس رضي الله عنه‏.‏

باب ما جاء في التنزيل حمل فيه الفعل على موضع الفاء في جواب الشرط فجزم فمن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خيرٌ لكم ويكفر عنكم ‏"‏ فجزم ‏"‏ نكفر ‏"‏ على موضع قوله‏:‏ ‏"‏ فهو خير لكم ‏"‏ لأن تقديره‏:‏ إن تخفوها وتؤتوها الفقراء يكن الإيتاء والإخفاء خير لكم‏.‏

والرفع فيه أيضا حسن جيد لما لم يظهر الجزم في الفاء لم يكن به اعتداد‏.‏

وقد ذكر فارسهم ذلك فقال‏:‏ إذا قلت‏:‏ زيدا ضربته وعمراً كلمته ربما احتج الزيادي بأن قوله ضربته لم يظهر فيه الإعراب فلم يقع به اعتداد في كلام طويل ذكرته في الخلاف‏.‏

ومن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم ‏"‏ جزم ‏"‏ يذرهم ‏"‏ حملا على موضع الفاء والرفع فيه حسن على ما قلنا‏.‏

وأما قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ فإن تولوا فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم ويستخلف ربي قوماً غيركم ‏"‏ فإن القراء السبعة أجمعوا على رفع ‏"‏ ويستخلف ‏"‏ ولم يجزموه كما جزموا ‏"‏ ويذرهم ‏"‏ ‏"‏ ونكفر ‏"‏ إلا رواية عن حفص جزمه كما جزم أولئك في الآيتين فقال قائلهم‏:‏ ليس ذا بجزم وإنما هو ألا ترى أنه أطبق مع الجماعة على إثبات النون‏.‏

فقرأ‏:‏ ‏"‏ ويستخلف ربي قوماً غيركم ولا تضرونه شيئا ‏"‏ فأثبت النون ولو اعتقد في ‏"‏ يستخلف ‏"‏ الجزم حملاً على موضع الفاء لحذف النون ولم يثبتها فثبت أنه ليس بمجزوم وأنما أطبقوا على الرفع لمكان النون في ‏"‏ ولا تضرونه شيئا ‏"‏ إذ وجدوها في المصحف كذلك‏.‏

ومن ذلك قوله‏:‏ ‏"‏ لولا أخرتني إلى أجلٍ قريبٍ فأصدق وأكن ‏"‏ فحمل ‏"‏ يكن ‏"‏ على موضع الفاء في ‏"‏ فأصدق ‏"‏ أي‏:‏ موضع الفاء جزم وكأنه في التقدير‏:‏ إن أمهلتني أصدق وأكن‏.‏

وأبو عمرو قرأه ‏"‏ وأكون ‏"‏ منصوبا بالحمل على موضع ‏"‏ فأصدق ‏"‏ فهذا في الحمل على موضع الفاء وربما كان ينشد فارسهم قول أبي دواد‏:‏ فأبلوني بليتكم لعلى أصالحكم وأستدرج نؤبا فحمل وأستدرج على موضع لعلى جزم على تقدير‏:‏ فلعلي بالفاء محذوفة‏.‏

فأما ما جاء من نحو قوله‏:‏ ‏"‏ إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا ويخرج أضغانكم ‏"‏ وقوله‏:‏ ‏"‏ يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ‏"‏ فالجزم هو الجيد بالعطف على الجزاء وجاز الرفع في مثله‏.‏

وقد قرئ به في ‏"‏ فيغفر ‏"‏ دون ‏"‏ يخرج ‏"‏ وجاز النصب في ‏"‏ فيغفر ‏"‏‏.‏

وقد جاء ذلك في الشواذ ولم يشذ في قوله‏:‏ ‏"‏ ويعلم الذين ‏"‏ بعد ‏"‏ أو يوبقهن ‏"‏ المنجزم بالعطف على قوله ‏"‏ إن يشأ يسكن الريح وقال عز من قائل‏:‏ ‏"‏ أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين ‏"‏‏.‏

فإنه حمل نصبه على الصرف وعندي أنه مجزوم وكان حقه الكسر لقراءة الحسن ‏"‏ ويعلم الصابرين ‏"‏ لكنه حمله على اللام وفتحه لمطابقة ما قبله كما روى عن ابن عامرٍ تم تجعله بفتح اللام تبعا ل العين‏.‏

وأما قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ إن نشأ ننزل عليهم من السماء آيةً فظلت أعناقهم لها خاضعين ‏"‏‏.‏

فقدر أبو إسحاق موضع قوله ‏"‏ ظلت ‏"‏ أنه مجزوم بالعطف على ‏"‏ ننزل ‏"‏ كقوله ‏"‏ فيغفر ‏"‏ جزم بالعطف على ‏"‏ يحاسبكم ‏"‏‏.‏

وأنكر عليه أبو علي وزعم أن قوله ‏"‏ ظلت ‏"‏ بعد الفاء كقوله ‏"‏ ينتقم الله ‏"‏ بعد الفاء كقوله‏:‏ ‏"‏ فلا هادى له ويذرهم ‏"‏‏.‏

لم يتأمل أبو علي في هذا الكلام لأن قوله ‏"‏ فينتقم الله منه ‏"‏ جواب الشرط وقوله ‏"‏ فظلت ‏"‏ معطوف على ‏"‏ ينزل ‏"‏ كما أن ‏"‏ فيغفر ‏"‏ معطوف على ‏"‏ يحاسبكم ‏"‏‏.‏

نعم لو كان ‏"‏ فظلت ‏"‏ جواب ‏"‏ إن نشأ ‏"‏ لكان كقوله‏:‏ ‏"‏ ومن عاد فينتقم الله منه ‏"‏ فأما إذا كان في تقدير‏:‏ إن نشأ ننزل فتظل عناقهم كان كقوله‏:‏ ‏"‏ فيغفر ‏"‏ والله أعلم‏.‏

 السادس والثمانون واستعمل ما هو فرع فمن ذلك الصاد في ‏"‏ الصراط ‏"‏

من نحو قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين ‏"‏‏.‏

جاء الاستعمال وكثرت القراءة بالصاد وقد رفض فيه السين إلا في القليل‏.‏

ومنه قوله‏:‏ ‏"‏ أنعمت عليهم ‏"‏ ‏"‏ كل حزبٍ بما لديهم ‏"‏ و ‏"‏ إليكم ‏"‏ و ‏"‏ فيهم ‏"‏ و‏:‏ ‏"‏ فيكم ‏"‏‏.‏

الأصل في كل ذلك‏:‏ عليهمو و‏:‏ إليهمو و‏:‏ لديهمو و‏:‏ فيهمو بالواو لأنها بإزاء‏:‏ عليهن و‏:‏ لديهن و‏:‏ إليكن و‏:‏ إليهما وكما أن المثنى المؤنث بالحرفين فكذلك المذكر وجب أن يكون بحرفين إلا أنهم حذفوا الواو استخفافا وأسكنوا الميم فقالوا‏:‏ عليهم‏.‏

فإن قلت‏:‏ فهلا تركوا الميم بالضم بعد حذف الواو فلأن في إبقاء الضم استجلاب الواو ألا تراهم قالوا‏:‏ أمشى فأنظور و # تنقاد الصياريف فإذا أسكنوها أمنوا ذلك ألا تراهم لم يصلوا‏:‏ وأنت من أفنانه معتقد وكانت الهاء في‏:‏ قربها و إرثها رويا ولم تكن كالهاء في‏:‏ أجمالها و‏:‏ بدالها و‏:‏ زال زوالها‏.‏

ومن ذلك إبدالهم الميم من النون الساكنة في قوله‏:‏ ‏"‏ فانبجست ‏"‏ و‏:‏ ‏"‏ من يك ‏"‏ وشنبا و عنبر ومن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ إن هذان لساحران ‏"‏‏.‏

الأصل في ألف التثنية أن تكون كعصا ورحا في الرفع والنصب والجر على صورة واحدة لأن الحركة فيها مقدرة كما هي في ألف عصا و رحا ولكنه جاء الاستعمال على قلبها ياء في النصب والجر حرصاً على البيان إذ لم يكن هناك ما في المفرد من البيان ألا تراك تقول‏:‏ ضرب موسى العاقل عيسى الأديب فيتبين الرفع بالصفة بعد الفاعل ونصبها بعد المفعول وهذا المعنى لا يتأتى بالتثنية لو قلت‏:‏ ضرب الزيدان العاقلان العمران القائمان لم تتغير الصفة فجاء قوله‏:‏ ‏"‏ إن هذان لساحران ‏"‏ على الأصل الذي ينبغي أن يكون عليهم كما ‏"‏ استحوذ ‏"‏ على ذلك‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ ألم نستحوذ عليكم ‏"‏ ولم يكن كقوله‏:‏ ‏"‏ وإياك نستعين ‏"‏ وكقولهم‏:‏ ‏"‏ عسى الغوير أبؤسا ‏"‏ على الأصل ولم يكن كالمستعمل في قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا ‏"‏ وكذلك جاء قول‏:‏ تأبط شرا‏:‏ فأبت إلى فهمٍ ولم أك آيبا وكم مثلها فارقتها وهي تصفر قال عثمان‏:‏ وصواب الرواية فيه‏:‏ وما كدت آيبا أي‏:‏ وما كدت أؤوب فاستعمل الاسم الذي هو فرع وذلك أن قولك‏:‏ كدت أقوم وأصله قائما فلذلك ارتفع المضارع أي لوقوعه موقع الاسم فأخرجه تأبط شرا على المرفوض كما يضطر الشاعر إلى مراجعة الأصول عن مستعمل الفروع نحو صرف ما لا ينصرف وإظهار التضعيف وتصحيح المعتل وما جرى مجرى ذلك‏.‏

ونحو من ذلك ما جاء عنهم من استعمال مفعول عسى على أصله وذلك ما أنشدناه من قول الراجز‏:‏ أكثرت في العذل ملحاًّ دائما لا تكثرن إني عسيت صائما فهذه الرواية الصحيحة في هذا البيت أعني قوله‏:‏ وما كدت آيبا وكذلك وجدتها في شعر هذا الرجل بالخطأ القديم وهو عتيد عندي إلى الآن وبعد فالمعنى عليه البتة لا ينصرف به عنه ألا ترى أن معناه‏:‏ وأبت وما كدت أؤوب كقولك‏:‏ سلمت وما كدت أسلم وكذلك كل ما يلي هذا الحرف من قبله ومن بعده يدل على ما قلناه ولا معنى لقولك‏:‏ وما كدت آيبا ولا‏:‏ ولم أك آيبا وهذا واضح‏.‏